يمشي الفقير وكل شيء ضده
والناس تغلق دونه أبوابها
وتراه مبغوضاً وليس بمذنب
ويرى العداوة لا يرى أسبابها
الصائمون عن الحياة المفطرون على الفتات؟!
هم الفقراء..~!!
نغفو على حلم الرغيف ولم نجد ....
إلا خيالاً منه في الإغفاء
ونغيب في الصمت الكئيب كأننا ....
كهف وراء الكون والأضواء
ونلملم الأحلام من صدر الدجا ....
سوداً كأشباح الدجا السوداء
الفقر من أكبر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية،
إن لم يكن أكبرها على الاطلاق وأكثرها إيلاماً للعقل والضمير،
وأخطرها تأثيراً على الأخلاق والسلوك،
وتحطيماً للكرامات والنفوس..
حتى إنه قد نسب لعلي بن أبي طالب
رضي الله عنه وأرضاه قوله:
"لو كان الفقر رجلاً لقتلته".
وفي هذا دليل واضح على بشاعة (جريمة الفقر).
يعيش 37% من سكان العالم الإسلامي تحت خط الفقر ،
وهذا يعادل 504 ملايين إنسان .
- مئتا مليون شخص يعانون
من سوء التغذية في إفريقيا.
- يغادر الدنيا كل يوم ما يزيد على
العشرين ألف جراء الجوع.
فالفقر يجلب الكَلَّ ، ويؤدي للفَلَّ ، ولذا فقد استعاذ منه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله :
" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ "
[ أخرجه أبو داود وأحمد ] ،
ألم تروا إلى الفقير بين الناس منكسر الجناح ، حليف هموم وأتراح ،
دون اقتراف إثم أو جناح ، فرحماك ربنا رحماك ،
فقير قتله الجوع الماحص ، ومسكين أهلكه البرد القارص ،
وعائل يتلمس الطعام ، ليشبع أبناءه الفئام ،
وأرملة حول القمامة من الجوع تتضور ، لتطعم أطفالها الصغار القصَّر ،
فيا غني تدبر وتصور ،
قال الله المصور : { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ
مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ } ،
فيا أيها المسلمون الكرام ، أين الأخوة والوئام ،
ونحن أمة الألفة والتراحم ، وأهل العطف والتلاحم ؟ ألسنا مسلمين ،
أخوة متحابين ؟ ألم تقرءوا قول الحق المبين : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } ،
أم عساكم لم تتأملوا قول نبيكم وخليلكم صلى الله عليه وسلم عندما قال :
" ليس المؤمن الذي يبيت شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه "
[ أخرجه البيهقي والحاكم وصححه ] .
إن من إشراقات عظمة الإسلام وجلاله ، وسمو أخلاقه وكماله ،
وبيان تكافله وجماله ، تلكم الأواصر الاجتماعية السامية ، والوشائج الروحية النامية ،
والأخلاق الإنسانية الحانية ، لاسيما في زمن البخل الجموع ،
وثراء اليد المنوع ، قال تعالى :
{ هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ
وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء } ،
فالبخل قتل للخير المشاع ، واغتيال للعطاء النَّفاع ، فهذه دعوة لبذل الخير المستطاع ،
قال الله محذراً من البخل المناع :
{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ
بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }
إن البذل والعطاء ، والإنفاق والسخاء ، خُلفٌ ونماء ، وصفةٌ لمالك الأرض والسماء ،
قال تعالى : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } ،
وقال صلى الله عليه وسلم : " يد الله ملأى لا يغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار
" [ متفق عليه ] ،
لكن لا يغيبن عن علمكم أن المال مال الله ، وأن الله مستخلفكم فيه ،
فينظر كيف تعملون ، ثم اعلموا أن التفاوت في الأرزاق ، حكمة من المولى الرزاق ،
{ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } ،
المال تمحيص للأغنياء ، وابتلاء للفقراء ، فكل يغدوا في ميدان التسابق ،
ويجري في مضمار التلاحق ، ليبتلي الله الشاكر ، ويعلم الصابر ،
فيا أيها الأغنياء الموسرين ، تفقدوا الفقراء المنكسرين ،
والمساكين المعوزين ، تكونوا من الفائزين ، وتنالوا رضا العزيز العليم ،
قال العلي العظيم :
{ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى
لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } .
هناك من الفقراء من لا تعرفونهم ، وبالكاد تتوسمونهم ، فاسألوا عنهم من تثقون بهم ،
ويدرون بحالهم ، قال تعالى :
{ لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ
يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ } ،
تذكروا أطفالاً أيتاماً ، مات عنهم آباؤهم إلزاماً ، فتذكروا حقهم إعظاماً ،
كانوا بين الآباء والأمهات ، واليوم فقدوا الحنان والإخبات ، وحسن الرعاية والإنبات ،
يرون الصغار حولهم سعداء ، وهم فقراء تعساء ، فأين اليد العطوف ،
والقلب الرءوف ، الذي يمسح دمعة اليتيم ، ويرغب في الجنة والنعيم ،
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
" أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ في الْجَنَّةِ هكذا ، وَأَشَارَ بالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى " [ أخرجه البخاري ] ،
ألا لا تغفلوا عن الثكالى والأرامل ، فقد أثقلهن حمل الكواهل ،
فالله الله أيها المؤمنون ، اكفلوا الأيتام المحتاجين ، وارعوا الأطفال الملتاعين ،
أغنوهم عن السؤال المحرج الشديد ، وأفرحوهم بلبس الجديد ،
فذلكم الفوز يوم المزيد ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :
" أَحَبُّ النَّاسِ إلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
سُرُورٌ تُدْخِلُهُ علَى مُسْلِمٍ، تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْناً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعاً "
[ أخرجه البزار والطبراني ] ،
الصدقة فرصة عظيمة ، لإدخال السرور على شفاه الثكالى العُسَّر ،
ومنة كريمة لإضحاك الأرامل والقُصَّر ، فأجر ذلك أعظم وأجزل ، وأكبر وأنبل ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
" السَّاعِي على الأرملةِ والمسكينِ ، كالمجاهد في سبيلِ الله ، وكالقائمِ لا يَفْتُرُ،
والصائِمِ لا يُفْطِرُ " [ أخرجه البخاري ومسلـم ] .
فهل تذكرنا في لحظة النشوة والفرح والسعادة ، أن هناك أناس يعيشون
حياة البؤس والحزن والألم والمرض وشدة الجوع ، ننعم بخير الأطعمة ،
وأجود أنواع المشروبات ، وأفضل أنواع الألبسة ، فهلا تذكرنا في هذا الشتاء ،
أن نتبرع للفقراء بالكساء ، الذي يقيهم برد الشتاء القارص ،
ويحميهم بإذن الله من زمهريره وشدته ، وهلا تذكرنا شدة الحر ،
حيث تلفح الشمس بحرارتها ، فيختبئ كل شيء من حرها ولهيبها ، إلا الفقراء المساكين ،
الذين لا يجدون ما يقيهم حر الشمس ، وشدة القيظ ، فهلا اتخذنا من أموالنا ،
ظلاً يستظل به من لا ظل له ؟ لنستظل يوم القيامة في ظل من لا ظل إلا ظله ،
في ظل الرحمن جل جلاله ، فأنفقوا أيها الناس من أموالكم ، أطعموا البائس الفقير ،
اكسوا العراة من المسلمين ، احملوا الحفاة منهم ، فالجنة هناك ،
والعون من الله هناك ، قال صلى الله عليه وسلم :
" من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ،
ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ،
ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ،
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " [ أخرجه مسلم ] ،
وقال تعالى : { مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } ،
فتذكروا أن أمامكم أهوال مخيفة ، وأخطار مهيبة ، في القبور ، ويوم البعث والنشور ،
وأذكرك بهذا الحديث العظيم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم : " إنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ :
عِلْماً عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، وَوَلَداً صَالِحاً تَرَكَهُ ، أَوْ مُصْحَفاً وَرَّثَهُ ، أَوْ مَسْجِداً بَنَاهُ ،
أَوْ بَيْتاً لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَوْ نَهَراً أَجْرَاهُ ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ ،
تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ " [ رواه ابن ماجة بإسناد حسن والبيهقي ] ،
هنيئاً لأناس فطناء باذلين ، أذكياء منفقين ، جعلوا الدنيا مزرعة للآخرة ،
فغنموا منها المغانم ، واقتسموا فيها المقاسم ، طمعوا في الجنة العلية ،
والعيشة الهنية ، بصدق وإخلاص نية ، قال رب البرية :
{ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ
وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ، فطوبى ثم طوبى للمتصدقين ،
وهنيئاً هنيئاً للمعطين ، فالموعد جنات النعيم ،
في جوار رب عظيم ، ونبي كريم ،
لا تهين الفقير علك أن
تركع يوماً والدهر قد رفعه