لا تبكِ على ما فات

إنَّ البكاء على ماضٍ بائس ماتَ ولن يعود إلى الحياة, والتألم على فُرَصهِ التي مرّت من غير أن تُستغلَّ وتُستثمر, والعيش مع مآسيه وأحزانه؛ لهو حمقٌ وغباء.

أجل, إنّ حمقى الناس وأغبياءَهم, هم الذين يفتحون ملفّ الماضي بعد أن طوَوْهُ, ثمّ يتصفحونه سطراً سطراً, ليحيوه بعد أن مات, ويوقظوه بعد أن نام, ثم لا يلبث يجرُّ لهم الذكريات المؤلمة, والغصص القابضة ليجرّعهم مرارَها, ويكويهم بنارها.

مثَلُ الذي يسترجع الماضي, كمثل الذي يحفر القبور لِيُخْرِجَ أهلها, ويتوسّل إلى الشمس أن تبقى في كبد السماء ولا تغيب, ويدفع ماءَ النهر بيديه لتعود إلى منبعها, وهيهات.. هيهات أنْ يشفق على حاله أحد, فكلٌّ مضى إلى غايته, ولن يردّ عليه أحد, فهو أسيرٌ لا يستطيع أن يتجاوز الآلام الماضية, ضيَّع وقته, وهَدَر طاقته, وجرّ الماضي إليه ليجثم على صدره, ويشد عليه الخناق, فهو وحده يتحمل جريرة فعله, فهو الذي أعاد قصة أمسه الفائت, واستغرق فيها, وهذا مما حذّر منه القرآن الكريم, قال جل وعلا في محكم بيانه: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم} [الحديد: 23].

ما أبخل ذلك الأمس المنصرم وألأمه!, فكلما مددت يدك لتمسك حوادثه المدبرة, فتغيّر فيها ما تريد, وتحوّرها على ما تشتهي وتحب, فاجأك بلسعة سامّة, أعادتك إلى يومك الحاضر, عودةً غير محمودة؛ لأنها عودة يأسٍ واكتئاب.

والسؤال المطروح, ماذا ستجني البصيرة من ارتداد البصر, وهو يشرئبّ إلى زمن ٍ قد ولّى, ومكانٍ قد اندثر؟!, لن تجني إلاّ الملامة والحسرة, وليت هؤلاء الذين ينظرون إلى الوراء, وهم يسيرون وسط زحام غفير يندفع زاحفاً إلى الأمام, ليتَهم يلتفتون إلى حاضرهم, وينسون ماضيهم الحزين؛ الذي يمتد إلى أفكارهم فيعكّرها, وإلى قلوبهم فيوجعها, ليتَهم يتخلّصون من رائحة الأفكار المتعفّنة في أذهانهم, فالمدن تبذل جهوداً كبيرةً للتخلّص من نفاياتها, أمّا نحن فما بالنا نضيق ذرعاً بالتخلُّص من نفايات ماضينا التي تتكّدس في أذهاننا بسبب التردّد والكسل, وبفعل اليأس والتبرم بالحياة.

وقف مدرس الصحة بكلية (جورج واشنطون) الدكتور "بول براندوين"أمام طلاّبه, وأمامه زجاجة مملوءة باللَّبن, كان قد أحضرها معه, وبعد أن تعلّقت الأبصار بهذه الزجاجة, ضربها المدرس بظهر يده, فإذا هي تتحطّم على الأرض ويراق منها اللّبن, عندها صاح الدكتور "براندوين": لا يبكِ أحدكم على اللبن المراق, ثم دعا طلاّبه واحداً واحداً وهو يقول له: انظر جيداً, إنني أريد أن تذكر هذا الدرس مدى حياتك, لقد ذهب اللبن وابتلعته الأرض, فمهما تشدُّ شعرك, وتسمح للهمّ والنّكد أن يمسكا بخناقك؛ فلن تستعيد منه قطرةً واحدة[1].

لقد أحسن هذا المدرّس تجسيد مشهدٍ سيبقى عالقاً في أذهان طلابه مدى الحياة, لأنّه من المحال إعادة اللبن الذي شربته الأرض إلى القارورة.

احذر أن تبقى مطرِقاً متحسّراً أمام لبن الماضي المراق, فإن بقاءَك أمام هذا المشهد الحزين, إشعارٌ بالألم والحيف, ومدعاة للتشاؤم والإحباط ,وتقييدٌ بسلاسلٍ غِلاظ في زمن يتحرك فوق عجلات تسير, واعتبر بقول مولاك جلّ وعلا: {تلك أمة قد خلت} [البقرة: 134/141].

[1] انظر (دع القلق وابدأ الحياة) لديل كارنيجي ص 170 ـ 171

.

يعطيك الف عافيه يحيى

تسلم ايديك ومتل ما بيقول المتل :يلي فات مات

يا عمي معك حق 100 %

شكرا إلك
لازم ننظر للأمام و نتعلم من الماضي مو نبكي عليه ...

زائر

(دع القلق وابدأ الحياة)

شكرااااااااا كتيييييييييير

موضوع بيجنن يعطيك ألف عافية