الفقر والحرمان وراءها... السرقة التهمة الأكثر تواتراً في سجلات الأحداث

لم يتوقع عدنان.ع أحد ضحايا سرقة "الموبايل" أن ما شاهده من خفة يد تعود لطفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها العشرة أعوام، فما أن ترك جهازه لثوانٍ قليلة على طاولة المحاسبة في إحدى المحلات التجارية حتى شاهد الطفلة (ريما) تركض على الرصيف الأخر من الشارع ومعها جهاز الموبايل متجه إلى منزلها القريب من المحل.

مهارة ريما لم تقف عند حد السرقة فقط، بل اكتملت بإصرارها على الإنكار والكذب رغم كل الضغوط التي تعرضت لها من ترهيب وترغيب والتي جهد عدنان في ممارستها عليها لاسترجاع جهازه، حيث استطاعت ريما تأدية دور البراءة بغاية الإتقان والبراعة، ليكون الحل الأخير والمجدي لعدنان في استرداد جهازه هو عقد اتفاق مع والد ريما بعدم إخبار الشرطة مقابل الحصول على الموبايل.

كذلك قُبضَ على طفلين من قبل أهالي منطقة حرستا لم يتجاوزا سن العاشرة من العمر وهما يفككان مسجلة سيارة (فوكس فاكن باسات) بعد أن تمكنا من فتح أقفال السيارة ذات النظام الحديث والمعقد دون إطلاق صوت جهاز الإنذار، يقول الضحية خالد نصر صاحب السيارة: "لا تفتح السيارة إلا من خلال الكسر والخلع، وما فعلاه الطفلان يدل على مدى خبرتهما في التعامل مع الأقفال التي لا يتقنها سوى الكبار".
وتزداد حوادث السرقات التي ترتكب من قبل الأطفال بطرق تنم عن خبرات يحسب لها ألف حساب، حيث تجد أطفالاً بلغوا بسلوكهم وتصرفاتهم في هذا الأمر مرحلة من الحياة تسبق أعمارهم الحقيقية بسنوات عديدة، فما أن يبلغ أحد هؤلاء الأطفال سن الثالثة عشر حتى تمتلئ سجلاته بالأسطر السوداء، كون دخول السجن بالنسبة إليهم مجرد "شربة مي" غير أبهين لمستقبلهم الضائع خلف القضبان.

احتراف السرقة
تشير الإحصائيات وفقاً لصباح الحلاق أخصائية في شؤون الأسرة على أن جنح السرقة عند الأطفال هي الأكثر تواتراً في معاهد الأحداث، حيث يصل عدد السارقين في مركز خالد بن الوليد حسب مصدر مضطلع إلى 60% من المجموع الكلي، فيما يرافق 40% من تلك الجنح أعمال عنف واعتداء بالأسلحة والسكاكين.
وتتم محاسبة الحدث وفقاً لثلاث مراحل عمرية إلى أن يبلغ السن القانوني، ففي المرحلة الأولى لا يكون الحدث قد بلغ العاشرة من العمر، والمرحلة الثانية تكون ما بين الحادية عشرة إلى الخامسة عشر من العمر، فيما الأخيرة تشمل الأحداث من سن السادسة عشر حتى الثامنة عشر سن البلوغ.

يقول المحامي نذير الجمال: "الأحداث في المرحلتين الأولى والثانية لا يعاقبوا قانونياً كونهم صغار ومن الممكن خضوعهم للإصلاح وأن من الخطورة وضعهم في السجن مع المجرمين، فيما الحكم عليهم يكون من خلال بعض التدابير كتسليمهم إلى أحد أبويهم أو تحويلهم إلى إحدى المؤسسات المختصة بالإصلاح، فيما يوضع من هم في سن السادسة عشر في معهدٍ خاص لتربية الأحداث بحكم مخفف لاعتبارات قانونية تراعي المرحلة العمرية، فيخصص لهم جناح مستقل في معهد الأحداث.

فاقد الشيء لا يعطيه:
وبالنظر إلى حال الأطفال المتخرجين من دور الإصلاح في سورية نجد أن سجلات هؤلاء الصغار تزداد سواداً عاماً بعد عام، كونها تغص بجرائم لا تدل على توبة صاحبها، فالإصلاح والتربية التي تقوم عليها تلك المعاهد وفقاً للدكتورة هناء برقاوي أستاذة علم الاجتماع في جامعة دمشق تعتبر غير فاعلة وقاصرة "المصلح بحاجة إلى إصلاح"، حيث يدخل الطفل السارق إلى المعهد فتزداد حرفيته بالسرقة من خلال انجراره إلى شبكات منحرفة موجودة في المعهد، ليشاركهم تعاطي المخدرات وينساق وراءهم نحو الجرائم اللاأخلاقية على حد قولها.
وأهم ما ينقص تلك المعاهد بحسب برقاوي هو حسن التعامل مع الحدث من خلال تأهيل الكوادر، إضافة إلى توفير عناصر شرطة للأحداث تختلف كلياً عن تلك التي تتعامل مع المجرمين، كما يجب هندسة المراكز بشكل يفصل فيه ما بين الأحداث ذوي الجنح الخطيرة وبين الجنح الأخف خطورة مع مراعاة عدم جمع أكثر من ستة نزلاء في كل مهجع، وكل ذلك يتطلب في النهاية المتابعة الجادة من قبل المتخصصين لمراقبة الحدث ضمن المركز وبعد خروجه.

سرقة مميتة
ويتفق العديد من المختصين الاجتماعيين على أن ظاهرة السرقة عند الأطفال مالم يتم معالجتها منذ البدء ترافقهم حتى سن البلوغ، في حين أن بعض الآباء قد يسيئوا التصرف بمجرد سماعهم خبر ارتكاب أبنائهم السرقة، ليصبوا جام غضبهم على أبنائهم من خلال تعنيفهم وضربهم بشدة، الأمر الذي ينطبق على الطفل عبد الله ابن السابعة عشر ربيعاً الذي ذهب ضحية تعنيف والده محمود إثر معاقبة بشدة على سرقته مبلغ 500 ليرة سورية من أحد الأشخاص في أحد أحياء مدينة الرقة، حيث أقدم محمود على ضرب ابنه ضرباً مبرحاً بواسطة عصا على رأسه وجسده ما أدى إلى نزف دماغي كان سبباً ليفارق الحياة.

وفي ذات الوقت الذي يحذر فيه مختصين اجتماعيين من خطورة التشهير بالطفل السارق في مرحلة الإصلاح، تؤكد رنا صياح المحللة النفسية أن إطلاق لقب (سارق) على الطفل يحفزه على السرقة، وللسرقات وفقاً لصياح أنواع عديدة منها ما يكون نتيجة الحرمان أو إثبات الذات أو شكلاً عدائياً ناتج عن الإحباط والقلق المتكرر والفقر، وقد يكون الدافع للسرقة هو التحريض ممن هم أكبر سناً.

للفقراء فقط:
وتؤكد الدراسات التي تناولت مراكز الأحداث على أن معظم السارقين ينتمون لبيئة مفككة مادياً ومعنوياً، ما يعني افتقارهم للعاطفة مقابل شعور الحرمان الذي يدفعهم نحو الانحراف، فيما توصد أبواب السجن بوجه الطفل السارق ذو البيئة الميسرة وفقاً للدكتورة هناء برقاوي، حيث يجد من يقدم له الواسطة التي تحميه من العقاب على فعلته.
والحل الأمثل من وجهة نظر برقاوي لكسر الحرمان هو إنشاء صداقة وطيدة مع الأطفال من قبل الأهل ما يقي سلوكه من أي تصرف شائن، والعمل على تدعيمه بثقة النفس حتى لا يلجأ الطفل إلى الكذب ويستمر بالمصارحة، عوضا عن دفعه إلى سرقة ستغدو جزء من حياته اليومية والتي تنتهي في مركز للإصلاح قد يكون البوابة الكبرى لمزيد من الانحراف.