عندما أوشك الحب أوشك الغروب

زائر

عندما أوشك الحب أوشك الغروب

عندما أوشكت أن تميل الشمس نحو الغروب كانت قدماها تسبقانها شوقاً لصالة الانتظار لتنتظر ذلك الرجل الذي ملك عرش قلبها.. وتنتظر معه كل آمالها وأحلامها التي رسمتها بعناية فائقة طوال السنوات الماضية مخلفة وراءها كل همومها ومتاعبها لتستقبل نصفها الثاني... جلست وعيناها تتسعان أملاً وبهجة تنتظر قدومه.. حولها الكثير يشاركها نفس الانتظار، لكن ليس أي انتظار.. إنه انتظار ما تبقى لها من عمر مضى منه أحلى سنواتها وهي سنوات العشرين... طال انتظارها اكتشفت أنها أتت قبل موعد قدوم الرحلة بساعات... بدت عيناها تضيقان قليلاً من طول الانتظار.. أجهدها التفكير بأحلامها وآمالها التي صنعتها معه وهو بعيد عنها طوال سنوات مضت.. التفتت حولها لتجد فتاة وامرأة في منتصف عمرها كانتا تشيحان بيديهما في كل اتجاه وهن يثرثرن حول قيادة المرأة للسياره.. وبصوت يفتقد النعومة ويميل إلى البحة.. تهاجم السيدة التي في منتصف عمرها بكل حماس الإعلام.. إنه يتلذذ في إثارة كل ما هو ممنوع... ترد عليها الفتاة لتصلح من جلستها متأوِّهة.. متى يتحقق هذا الممنوع؟... صوت عالٍ خشنٍ يقطع لهفتها لمتابعة تأوهات الفتاة من الجهة الأخرى.. رجل في منتصف عمره أو أكبر لا يتبيَّن إن كان يغزوه الشيب أم لا حتى في شاربه المحلوق.. لا يهتم بمن حوله كما لا يهتم بطريقة ترتيب شماغه حيث تركه منسدلاً بطريقة فوضوية.. بصوت جهوري يميل إلى الخشونة.. أي ليبرالية تتحدث عنها.. نحن نتشدَّق بكلمات ولا نعرف معناها وفي الحقيقة لا وجود لليبراليين في مجتمعنا.. اللليبرالية شكل من الأشكال الكثيرة التي اتخذناها وما هؤلاء القلة من الليبراليين إلا تقليديون في المضمون وليبراليون شكلاً فقط.. تمتم الرجل الذي بجانبه بكلمات غير مسموعة.
أعادت النظر إلى ساعتها.. لم تعر أي اهتمام بطول الوقت الذي تنتظره فيه، لأن طول انتظارها له في السنوات الماضية روَّض كل دقيقة تمر عليها الآن.. كان مزيجاً بين الرجل الشرقي والغربي كان شرقياً بغيرته الجنونية وعاطفته الدافئة وغربياً في بعض توجُّهاته واستهلاك معظم وقته في العمل وكرهه للفراغ.. كان يعتمد على المنطق أكثر من الحدس في تحليله للأمور لطالما كان يلوم النساء ويلومها.. لاعتمادهن على الحدس أكثر من المنطق.. له أطروحاته المميزة التي ليس لها مبدأ معين ولا فكر محدد.. الغموض والدقة سمة من سماته التي تضفي عليه نوعاً من الجاذبية.. يقطع حبل أفكارها فتاتان تجلسان بجانبها رغم ضيق المكان.. اكتشفت أن كل من حولها يعيش لعبة الانتظار.. فتينك الفتاتين تنتظران مستقبلهما المجهول بنظرة تميل إلى التشاؤم... صوت ناعم حزين يصل إلى مسامعها رغم انخفاضه.. رغم أني التحقت في السنة الأخيرة بإحدى المدارس الخاصة أملاً في حصد أكبر مجموع في الفصل الأول.. إلا أن معدلي الذي حصلت عليه لا يؤهلني للقسم الذي أريد الالتحاق به، ترد عليها أختها... أي قسم والسلام... المهم أن تشغلي وقتك بدلاً من الفراغ القاتل الذي أعاني منه منذ أربع سنوات من تخرجي وما زلت أنتظر.. الكل ينتظر الذي لا يأتي.. تعج الصالة بقدوم المسافرين.. نهضت مسرعة تحدّق وتتفحص كل وجه حولها باحثة عنه.. تعيد التفحص من جديد لعل أحداً غطى عليه، لكنها تعلم تماماً أن طوله الفارع لن يسمح للحاضرين من حولها أن يغطيه أحد.. بدت الصالة شبه خالية.. تعود أدراجها والدموع تغطي عينيها.. تجر سنواتها الماضية والآتية التي غربت مع غروب الشمس واختفت وسط الظلام.. حدَّقت في السماء الحالكة بالظلام وقالت وهي تبكي: لن تشرق الشمس أبداً.. التفتت على صوت ذلك الرجل الذي كان يثرثر بصوت جهوري عن الليبرالية.. ستشرق الشمس حتماً.. وما زال هناك الكثير مما ننتظره، لكننا دوماً نصل متأخرين بعمر.. وذهب وتركها أمام صالة الانتظار.

:شكرا :