من أيام العطل الهادئة في مدينة جرمانا حيث اخترقت هذا الهدوء الممطر أصوات سيارات الشرطة والإسعاف التي تجمعت أمام أحد مباني حي الجمعيات في جرمانا لتكشف عن جريمة قتل تشبه في فصولها قصص الروايات البوليسية.
في المعمل ..لم يكن في قبو معمل التريكو الذي استأجره (م.خ) المدعو أبو كاسم مايدعو للانتباه أو السؤال.. فالرجل كان يستخدم المعمل وآلاته المملوكة من قبل صاحب القبو كاستثمار لقاء أجر يدفعه كل ستة أشهر ولتتوطد علاقة المستأجر أبو كاسم بالمؤجر مالك القبو عندما عمل ابن صاحب القبو ومالك الآلات الأساسي وهو شاب يدعى (و.ش) لدى المستأجر أبو كاسم لكي يدير المعمل في المستقبل.
وفي أحد الأيام العادية وبينما كان الشاب (و.ش) في المعمل لاحظ أن أحد غرف القبو قد تم إغلاق بابها بمادة السيلكون والشريط اللاصق مما أثار استغرابه.
وعندما أتى أبو كاسم للمعمل سأله (و.ش) عن سبب إغلاق باب الغرفة بهذا الشكل فأجابه أبو كاسم أن له صديق يتاجر بالفستق الحلبي وأنه قد وضع لديه هذه البضاعة برسم الأمانة في الغرفة متذرعا بأقفالها بأحكام لكي لا يتلف الفستق الحلبي بغياب صاحبه.
لم يشك (و.ش) بذريعة أبو كاسم التي كانت مقنعة في وقتها.
بعد أيام ظهرت في المعمل رائحة غريبة ومزعجة جعلت جميع العمال يخرجون من المعمل متسائلين عن سببها ليأتي أبو كاسم في اليوم التالي ويدخل إلى إحدى غرف المعمل ويخرج ومعه طير نافق متذرعا للعمال أن الرائحة كانت صادره منه.
عاد يومها العمال إلى العمل بشكله الاعتيادي وما هي إلا أيام حتى نزل أحد الجيران إلى المعمل مشتكيا من خروج رائحة كريهة وذباب من منور المعمل باتجاه شقته وبشكل لا يطاق.
وفي اليوم الثاني لشكوى الجار استفاق أهل البناء على رائحة قوية خارجة من الشقة الأرضية الغير مسكونة والتي ظهر عند دخولها أن أحد أنابيب التصريف الذي يمر بها قد تم كسره بطريقة متعمدة لتنتشر رائحته في كل البناء.
أصلح يومها سكان البناء الأنبوب المكسور مستغربين سبب كسره أو من كسره
المزيد من الشكوكبعد حوالي عشرة أيام لاحظ (و.ش) أن الغرفة مازالت مغلقة وبنفس الطريقة فسأل أبو كاسم عن سبب استمرار إغلاق الغرفة بهذا الشكل ليتذرع الأخير بأن بضاعة الفستق الحلبي مازالت بالداخل وأنه مستعد لفتح الغرفة ليثبت كلامه ؟
لم يصر (و.ش) يومها على فتح الغرفة وتظاهر بأنه صدق أبو كاسم لتبقى الغرفة مقفلة وسرها في داخلها
بقيت الغرفة مغلقة حوالي الثلاثة أشهر وفي مساء الخميس 29-10-2009 نزل (و.ش) إلى المعمل كالمعتاد حيث لم يكن هناك ما يقوم به فقرر أن يخرج للفسحة السماوية الخاصة بالمعمل ليتمشى قليلا.
وخلال وجوده في الخارج متمشيا وجد (و.ش) نفسه أما الباب الخارجي للغرفة التي يصر أبو كاسم على إقفالها منذ أربعة أشهر.
وتذكر (و.ش) أنه يملك نسخة عن كافة مفاتيح غرف القبو ومن ضمنها الغرفة المغلقة فقرر أن يجاري شكوكه ويقوم بالدخول إلى الغرفة المغلقة من بابها الخارجي مستخدما نسخة المفاتيح التي معه.
وفعلا جرب (و.ش) المفاتيح التي فتح إحداها باب الغرفة حيث فاجأته رائحة كريهة وشديدة فقرر دخول الغرفة المظلمة ليجد داخلها الذباب قد ملأ جدران الغرفة وبابها الموصد الذي يطل على المعمل.
بحث (و.ش) على عجل داخل الغرفة لكن الرائحة الكريهة ومجموعة الأقمشة المبعثرة منعته من البحث بشكل جيد فقرر إغلاق الغرفة والخروج منها مسرعا بعد أن شك بسماع صوت دخول أحدهم للمعمل ,أغلق (و.ش) باب الغرفة وخرج من المعمل متوجها إلى منزل صديقه (إ.خ) والذي يعمل معه في نفس المعمل حيث أخبره بحكاية الغرفة اللغز وما جرى معه
في الغرفة من جديدفي منزل (أ.خ) اجتمع بصديقهم الثالث (ح.ق) حيث أخبرهم (و.ش) بكل ما جرى معه وليقرر الثلاثة العودة للمعمل وفتح الغرفة واكتشاف الأمر.
نزل الشبان الثلاثة للمعمل وفتحوا الغرفة من بابها الخارجي كما فعل (و.ش) في السابق وفي هذه المرة بحث الشبان الثلاثة وهم يقاومون الذباب عن مصدر هذه الرائحة الكريهة ليجدوا في إحدى الزوايا جثة مغطاة بالقماش وملفوفة بقطع من الشاش وأكياس من النايلون.
بعد أن تأكد الشبان الثلاثة أنهم أمام جثة بشرية خرجوا من الغرفة وأقفلوا بابها متوجهين لقسم شرطة جرمانا ليبلغوا عن الواقعة
في قسم شرطة جرمانابعد إبلاغ (و.ش) ورفاقه قسم شرطة جرمانا عن الحادثة توجهت معهم دورية إلى القبو حيث كشفت عن وجود جثة في حال تفسخ شديد وهنا كان لابد من العثور على أبو كاسم باعتباره المستأجر وموضع شكوك الجميع
البحث عن أبو كاسمبعد سلسلة من التحريات الفورية تم الاستدلال على مكان إقامة أبو كاسم
وعلى الفور توجهت دورية من قسم شرطة جرمانا إلى حي الميدان مكان إقامة أبو كاسم المفترض لمداهمة منزله وإلقاء القبض عليه.
وقبل الدخول إلى منزل أبو كاسم استفسر عناصر الشرطة من الجيران والقاطنين عن عدد الموجودين في المنزل حيث علموا أنهم خمسة نساء وأبو كاسم هو الرجل الوحيد الموجود في المنزل.
وعند مداهمة المنزل من قبل عناصر الشرطة لم يعثر على أبو كاسم في البداية على الرغم من تأكيد الجيران أنهم قد رأوه يدخل المنزل قبل وصول عناصر الشرطة بفترة وجيزة.
و انتبه عناصر الشرطة أن عدد النساء داخل المنزل ستة وليس خمسة كما تفيد معلوماتهم حيث تبين لدى الحديث معهم أن إحداهن كانت أبو كاسم نفسه وقد تنكر بزي امرأة لكي يضلل عناصر الشرطة ويهرب بعد خروجهم من المنزل.
وعند انكشاف أمره اقتاد عناصر الشرطة أبو كاسم ليعترف بارتكابه جريمة قتل بحق المدعو (ا.ح) نتيجة خلافات متعددة منها خلافات على مبالغ مالية.
وقد أظهرت سجلات قسم الشرطة أن المغدور (ا.ح) الذي اعترف أبو كاسم بقتله قد أبلغ أهله عن اختفاؤه قبل ستة أشهر مما يفسر جميع محاولات أبو كاسم لإخفاء الجثة كل تلك المدة
في قبضة العدالةبعد إلقاء القبض على أبو كاسم عادت وحدات من الشرطة مصحوبة بوحدات من الأمن الجنائي وفوج الإطفاء والإسعاف والقاضي والطبيب الشرعي إلى مكان الجريمة لإخراج جثة المغدور وتعقيم المكان وختمه بالشمع الأحمر.
وقد أظهرت التحقيقات الأولية التي حصل موقع مدينة جرمانا عليها أن القاتل استخدم غاز قياس صغير من نوع سفير كأداة للجريمة التي ارتكبها قبل ستة أشهر والتي سنتابع معكم تفاصيلها خلال الأيام القليلة القادمة.